بشر خطاؤون
"وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللّهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ"
(رواه مسلم).
لماذا يارب ؟ ما الحكمة في أن نخطئ و نتوب و نجاهد ثم نخطئ و نتوب؟
ألم يكن من الأفضل لو كنا كالملائكة لا نعصي الله ما أمرنا و نفعل ما نؤمر؟
لماذا يبقى باب التوبة مشرعاً ما لم نغرغر؟ ما الهدف من هذا الحيز الواسع جداً للرحمه و المغفرة؟
إنه ذات استفسار الملائكة عندما أخبرهم الله سبحانه و تعالى بخلق آدم.
قالوا : لماذا تخلق يارب بشراً لديهم الخيار في فعل الصواب و عكسه ويقدرون على ارتكاب الآثام و سفك الدماء؟.
لماذا يا ابن آدم؟ هل فكرت يوماً ؟.
ببساطة لأنها سمة أساسية من السمات التي بسببها كُرم هذا المخلوق على ما سواه بمن فيهم الملائكة.
إنها الحرية . الحرية التي تقتضي أن يكون لديك الخيار وأن يكون لديك حيز للخطأ و الإخفاق.
خُلقنا هنا لعبادة الله، و خلقنا لنملأ هذا الوجود بالقيم الإلهية.
ربما تتملكنا قبضة الطين و نخطئ في سعينا لهذه المهمة العظيمة التي أشفقت من حملها كل المخلوقات فماذا نفعل؟
يعلمنا الكريم الرحيم العالم بهذه النفس التي خلق أن توقف عند الخطأ و اعترف به وتب إلى الله منه ، ثم واصل التحليق لا شيء يعيبك ، ولا شيء يقدح بك ، ولا شيء ينزع منك قداستك.
لقد فتحت لك الباب على مصراعيه لتعود فلا تقلق.
ولكن ما الذي فعلناه نحن؟
فتنتنا صورة الملائكة الذين لا يعصون الله ما يؤمرون ووددنا لو كنا كالملائكة.
أصبحنا ننظر لأخطائنا بأنها جرائم لا تغتفر وإن غفرت تبقى ندبة في وجوهنا و قلوبنا لا نستطيع منها فكاكاً.
تظنني أبالغ أليس كذلك؟
انظر إلى من حولك.
ألم تر يوماً أماً توبخ طفلها على كسره لطبق أو كوب؟ أو طفلاً يُعاقب على حماقة طفولية ارتكبها؟ أم أن هذا يحدث في كوكب آخر؟.
هل تذكر ذاك الوخز في صدرك و تلك اللكمات التي سددتها لحائط غرفتك كلما تذكرت خطأك ؛على الرغم من أن الذي خلقنا أخبرنا بأن الإنسان خلق ضعيفا ،وأن حيز الخطأ مفتوح في أكثر الأمور حساسية و دقة و هو أمر الشريعة فالمجتهد مأجور و إن أخطأ .
لم نتقبل نحن هذا الضعف و لم نفهمه و لم نرحمه.
هل نعرف ما الذي نجنيه على أنفسنا و أبنائنا بهذا الفعل؟
نحن نبذر بذور الأمراض النفسية في أرواحنا، و نبذر بذور الكذب و الكبر.
فعندما لا تتقبل أنت أنك تخطئ فلن تعترف بهذا حتى لنفسك وستنسج الحكايا لتبرر خطأك وستلقي باللوم على الكوكب بأكمله لكن ليس أنت .
تتكبر و تكذب و تختلق فقط كي لا تعترف بخطأك.
يذكر د.عبد الرحمن ذاكر الهاشمي -الطبيب و الاستشاري النفسي- أنّه في الحالات التي عالجها من الفصام كان السبب دوماً خطئا ما ارتكبه الشخص أو فشلا ما لم يستطع تقبله و التعامل معه و بدأ يختلق عالما آخر يكون هو العظيم فيه الذي يريد الجميع الإطاحة به.
فهل ندرك هذا؟ .
في المرة المقبلة التي تخطئ بها تذكر أنك بشر كرمك الله بهذا الحيز من الخطأ و فتح الباب على مصراعيه لقبولك دوماً فكل ابن آدم خطّاء.
واجه خطأك و حاصره بالتوبة و الإعداد الجيد ثم جدد المحاولة فالوقت لا يفوت أبداً.
وأنت أيتها الأم في المرة المقبلة التي يخطئ بها طفلك توقفي لحظة قبل أن تبدأي سيل التوبيخات و الشتائم، و ارحمي ضعف طفلك، وتقبلي إنسانيته ، و أعينيه على نفسه، ولا تكوني أنت من يدمرها و يمزقها.
ارحمي و اغفري و سامحي ، وارتجي بهذا أن يغفر لك الله و يتجاوز عن أخطائك أنت ، و أخرجي لنا جيلاً متزناً متصالحاً مع ذاته.