صغيرةً كنتُ عندما بدأتُ أدركُ ذاكَ الفراغ الذي يسكن روحي. تساءلت ما تراه يكون؟ ماله يزداد غوراً على مرّ السنين؟
بدأت أتلمّس أطراف كنهِهِ عندما بدأت تتناهى إلى سمعي كلمات أقراني عن شيء يدعى الوطن. قالوا: هو حضن يضمّنا و أهلنا و أولو الرحم.
سألت أمي: ما الوطن؟
قالت: هو حضن يضمنا و أهلنا و أولو الرحم.
فقلت: عجباً, أين هم أهلي و أولو الرحم؟
قالت: يا ابنتي ذاك في الوطنّ.
قلت: و أين نحن إذن؟
قالت: نحن يتامى بلا وطن , استلّه الظالم منّا في تيهنا بين جهالةٍ و خيانةٍ و تشرذمٍ عمّ المدن.
قلت: صِفيهِ لي يا أمي ذاك الوطن؟
قالت: هو جنةٌ في الروح يُزرع وردُها كلٌ لها عبق مخصصُ لا يشاركها به أحد.
رحت أذرع روحي بحثاً عن تلكم الجنة بلا جدوى و لا حتى رشد.
قلت: أمي, مالِ جنّنتي ليس لها أثرٌ أو حتى عبيرٌ هارب من بتلات ورده يناديني أن تعالي ها هنا نحن؟
قالت: يا ابنتي و كيف ذاك و أنتِ ولدتِ و عشتِ و لم تعرفي منه سوى اسمه متردداً على أفواه مذيعين يُطلّون مبشرين تارةً بتقدمٍ و تارةً مشيعين لأبناء قضوا من أجل جنّة أرواحهم لا يدنسها أحد؟
قلت: ازرعي لي يا أمي من حكاياك عنه جنّة أصبّر نفسي بها إلى حين اللقيا إن كان للقيا أمل!
فقالت ثم قالت و نسجت لي من حكاياها صورةً أقامت في روحي مبددةً بعضاً من ذاك الفراغ البارد عن روضةٍ تسمى فلسطين.
كبرتُ و مرّت السنين و جاءني طفلي يساءلني أماه ما الوطن؟
جزعت و رحت أركض في ثنايا روحي لأمسك جنّةً و أنسجها له لأردم ذاك الفراغ فلم أجد.
وجدت حديقةً بلا عبيرٍ , بل هكذا رسمٌ بلا روح تُغذّيهِ .
تحجّر الدمع في مآقيَّ وقلت: أأرسم صورةً عن صورةٍ؟ و هل يبقى شيءٌ بعدها عن ذاك المسمى وطن؟
قُم يا بُني بنا ننحت الصخر لنعيد جنّةَ أرواحِنا بأيدينا, فما نفع الحكايا إذا لم تنبت العزيمة فينا و الأمل.